الثلاثاء، 29 نوفمبر 2022

عون المعبود في بيان فن صياغة العقود

عون المعبود في بيان فن صياغة العقود

عون المعبود في بيان فن صياغة العقود
عون المعبود في بيان فن صياغة العقود

الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده ...

لا يخفى على كثير من المحامين أهمية العقود في المجال القانوني فجل أعمالهم تنصب على العقود وما يترتب عليها من ألتزامات وما تؤديه صياغة تلك العقود من تلبية لحاجات الموكلين الذين يحرصون على حفظ حقوقهم ومكتسباتهم و في الغالب لا يخلو عمل المحامي منها فإن لم يصيغها تلبية لحاجات الموكلين يتعرض لها فيما يتم إبرامه من عقود بينه وبين موكليه، لأنه لا تكتمل عناصر الوكالة بتمثيله له دون أن يترجم ذلك في شكل عقد أتعاب يضمن به أستحقاقه ويحفظ له مقابل مجهوده ومن هنــا يتبين لنا مدى أهمية هذه العقود 

وما لها من حضورا فاعل في العمل القانوني بحيث لا ينفك عنها المحامي لذلك كان لابد من العناية بها جيدا بأن تولى قدرا من التركيز والاهتمام لأهميتها رغم اختلافها من حيث طبيعتها ودواعي الحاجة إليها فكلما كان العقد مهما كلما أستدعى ذلك جهدا كبيرا وحرصا وعناية أكبر وهنا تبرز أهمية الصياغة باعتبارها أداة المحامي في إنزال فكره القانوني من إطاره الداخلي إلى الواقع الخارجي أي من الحيز النظري إلى الواقع العملي والتطبيقي ليضع موضوع التعاقد في شكل يضمن تنفيذه بين طرفيه بطريقة واضحة تجنب طرفيه أي تنازع في تفسيره أو في فهم وتطبيق بنوده وأحكامه لذلك كانت لعملية الصياغة أهمية بالغة فبالصياغة يسهل التعرف على شكل العقد و يتحدد بها مضمونه وأحكامه فكانت الصياغة في العقود بمنزلة الرأس للجسد الأمر الذي جعل مهارة صياغة العقود أمر ضروري لكل محامي ، لكونها أداة أو وسيلة من الوسائل التي تعينه على إيصال فكره القانوني لكل من يحتاجه، والجدير بالإشارة هنا أن معنى الصياغة لا يقف عند المعنى اللغوي للكلمة فقط أي الإجادة والإحكام بل يتعداها إلى مفهوم الدقة والوضوح و التنسيق الجيد وحسن الترتيب ومراعاة الأولويات وعدم الإطالة في غير الحاجة والنأي عن التكرار والغموض في الألفاظ وعدم الدقة في التعبير بتجنب الألفاظ الموهمة و الألفاظ حمالة الأوجه في سياق ما يحتاج إلى حسم وتأكيد وكل ما من شأنه إثارة التنازع بين طرفيه من تفسير للعقد وتكييفه وفهم نصوصه وأحكامه وذلك لأن العقود التي يتم إبرامها ليست في كل الأحوال تكون عقودا بسيطة تشتمل أو تتضمن فكرة أو مسالة قانونية واحدة لا تتعداها كعقد البيع أو عقد الإيجار مثلا فالفكرة القانونية هنا واحدة إما بيعا أو إيجارا لكن قد تضمن بعض العقود على أكثر من فكرة أو مسالة قانونية أي تكون متعددة المسائل القانونية " مركبة أو ما يعبر عنه بالعقد المختلط أو المركب" 


مثال ذلك إبرام عقد بين صاحب الفندق والنزيل ولا شك أن هذا العقد مركب بهذا المعنى لأنه يتضمن إيجار الغرفة التي يشغلها النزيل وبيع الأطعمة والمشروبات التي يستهلكها وكذلك وديعة بالنسبة لأمتعته التي يحضرها إلى الفندق كما يتضمن أيضا الاتفاق على تقديم الخدمات، والملاحظ في هذا العقد الذي يصح وصفه بأنه عقد مختلط أو مركّب تطبق على كل مسالة من المسائل القانونية التي تتضمنها فتطبق أحكام الإيجار على ما يتعلق بطبيعته في العقد وأحكام البيع وهكذا يكون الحال في أي عقد تختلط فيه المسائل القانونية للالتزامات العقدية وتتنوع الأحكام. إن تعدد المسائل القانونية في العقد تتطلب عند الصياغة تحديد الغرض الحقيقي من انعقاد وإن كان هذا يقودنا إلى أمر آخر وهو تكييف وتفسير العقود


 إلا أنني سأكتفي هنا بموضوع الصياغة، وإن كل ما أوردته عنها لا يتم إلا من خلال الإعداد الجيد والمحكم لكل تفاصيل وبنود مشروع العقد التي تشمل الإجراءات والخطوات التي تسبقه و هنا إشارة أخرى هي أن معنى الصياغة لا يتوقف عند الجوانب الشكليـة كضبط مصطلحات العقد و تدقيق عباراته وألفاظه أي الجوانب اللغوية فقط وإن كانت من الأهمية بمكان بل لابد من مراعاة مدى تطابق العقد مع أحكام القانون الذي يحكمه حتى لا يشوب إبرامه أو بنوده مخالفات تجنبا لأي أخطأ قانونية قد يكون لها التأثير في العقد من حيث الصحة أو من حيث تنفيذه مع مراعاة مشروعية محل العقد و مطابقة القبول للإيجاب و سلامة الرضاء وإن كانت هذه الاشتراطات تتعلق بالعقود المدنية فقط إلا أن الأهتمام بها في سائر العقود لا يضير شيئا . وذلك لأنه من الأمور المهمة عند صياغة أي عقد معرفة نوع العقد حسب تقسيمات العقود سواء كانت عقودا مدنية أو عقود إدارية لأن صياغة كل نوع من هذه العقود يختلف عن الآخر فمتطلبات صياغة العقود المدنية لا تخرج عن مشروعية محل العقد و مطابقة القبول للإيجاب و سلامة الرضاء وعدم مخالفة النظام و الآداب العامة في حين أن متطلبات صياغة العقود الإدارية تتمثل في أن تكون إحدى الجهات الإدارية أو أشخاص القانون العام طرفاً في العقد وأبرمت العقد بوصفها سلطة عامة


وتسبق مرحلة الصياغة خطوة مهمة وهي مرحلة التحضير(1) : وهي التي يتم فيها التواصل بين أطراف العقد والمحامي الذي سيقوم بصياغته لمناقشة تفاصيل العقد ومعرفة كل جوانبه وأركانه من خلال عمل مسودة بذلك ثم تليها مباشرة مرحلة الصياغة والتي تبدأ من تحديد لغة العقد(2) وتكمن أهمية اللغة حيث تعد العامل المفسر لبنود وأحكام العقد وحل الغموض الذي قد يعتريه وبالتالي يلجأ إليها في حال النزاع ثم بعد ذلك تاريخ إنشاء العقد وتسجيل بيانات أطرافه (3) وهي مرحلة مهمة يتم فيها التحقق من صفة أطراف العقد والإطلاع على هوياتهم. ثم بعد ذلك ترتيب أطراف العقد(4) كطرف أول وطرف ثاني والذي ينبغي التنبيه إليه هنـــا أن هذا الترتيب يكون بحسب المركز القانوني لكل طرف متعاقد فصاحب المركز القانوني الأقوى بين المتعاقدين يختار ليكون طرفا أولا. لأن الغالب في العقود أن يكون الطرف الأول في العقد دائما هو صاحب المركز القانوني الأقوى باعتباره مبدأ قانوني ترسخ عند إنشاء و صياغة كل عقد كالمؤجر في عقد الإيجار يعتبر صاحب مركز قانوني أقوى من المستأجر بسبب ﻤﻠﻜﻴﺔ محل الإيجار والبائع في عقد البيع يعتبر صاحب مركز قانوني أقوى من المشتري بسبب ﻤﻠﻜﻴته ﻟﻠﺸﻲﺀ ﺍﻟﻤﺒﻴﻊ والناقل في عقد النقل باعتبار ملكية الناقل لأداة النقل وصاحب العمل في عقد العمل وغيرها كعقود الإذعان وعقود التمويل وعقود التوريد وهكذا حتى أستقر هذا المبدأ القانوني وترسخ في صياغة كل عقد. ثم بعد ذلك تأتي مرحلة أخرى وهي ما يسمى بالمقدمة أو التمهيد(5)


 وتبرز أهمية المقدمة والتمهيد في أنه يشرح فيها الأهداف والغرض من العقد وبيان نوعه: أي (استخلاص الغايات والأهداف المبتغاة من إبرام العقد) و تعتبر المقدمة أو التمهيد من الأهمية بمكان في العقود في شرح وتوضيح أهداف العقد المبرم وخاصيته وتتأكد أهميتها بصفة خاصة في العقود الدولية والمقدمة أو التمهيد في العقود تمثل وجوداً حقوقياً لكنها لا تولد التزامات وحقوقاً مثلها مثل بقية مواد العقد وبالرغم من أنها لا تشكل بنداً من بنود العقد أو مادة من مواده إلا أنها ضرورية جدا في العقد ولها منزلة ومركز قانوني فيه وكأنها بند من بنوده أو مادة من مواده ويتأكد ذلك من خلال ما تم ترسيخه من مبدأ قانوني في كل عقد ينص على إعطاء المقدمة نفس القوة القانونية التي تتمتع بها بقية مواد العقد حيث ينص في البند الأول من كل عقد على : (تعتبر المقدمة المدرجة أعلاه جزءاً لا يتجزأ من العقد وبنداً من بنوده ) ويتبين مركز المقدمة القانوني وخاصيتها وتأثيرها على العقد: باعتبارها تمثل: (أ) شرحا للعقد وتفسيرا له ولدراسة أي عقد أو تفسيره لابد من الإطلاع على المقدمة (ب) كذلك من خلال المقدمة يمكن إثبات العيب في الرضا لأن المقدمة تتضمن في غالب الأحوال تصريح أحد أطراف العقد. (ج) وقد تكون المقدمة منشئة للالتزامات: وفي هذه الحالة يكون لها نفس أهمية بقية مواد العقد كأن تنص المقدمة على الأخذ بالوثائق والرسائل المتبادلة بين المتعاقدين أو عدم الأخذ بها قبل توقيع العقد ، من أجل تنفيذ العقد أو تفسيره - أو تتضمن المقدمة تعاريف لبعض الكلمات المستعملة في العقد فإنها تلزم الجميع بهذه التعاريف.

و لا شك أن لكل عقد طبيعته الخاصة التي تميزه عن العقود الأخرى وبالتالي لابد من اختلاف الأحكام والبنود إلا انه يجب أن يشتمل كل عقد من العقود على آلاتي :

- تحديد التزامات طرفي العقد بدقة ووضوح حتى لا يحدث تنازع بين الطرفين بسبب فهم خاطئ أو تفسير غير سليم لما يرد بشأن التزاماتهما.

- مدة العقد : ببيان مدة تنفيذ العقد المحددة وفق أتفاق طرفيه.

- حالات فسخ العقد : وذلك بتوضيح مسوغات فسخ العقد لكلا طرفيه التي قد تتعدد ومن الأمثلة: استخدام الغش أثناء التعاقد مما تسبب في دفع الطرف الأخر على إبرام العقد معه أو الفشل في تنفيذ الالتزام خلال المدة المحددة.

- الشروط الجزائية : وهي شروط يتم وضعها لضمان حسن تنفيذ العقد من كلا طرفيه وذلك مثل تطبيق غرامة تأخير عن كل أسبوع يتأخر فيه المقاول ونحو ذلك. وغير ذلك من أمور مهمة لا يسع المجال لشرحها.

والذي أذكر به إن فن صياغة العقود مهارة تحتاج إلى تنمية وتطوير حتى يكتسبها المحامي ويتقنها وهي من الأمور المهمة لكل محامي ناجح يرغب في تطوير ذاته وتنمية قدراته وإجادة فنه الذي يمارسه وهذه قطرة من محيط المعرفة القانونية سائل المولى الكريم أن ينفع بها الجميــــع.


أبو أيوب.

0 التعليقات:

إرسال تعليق

محامي في جدة على استعداد لتقديم كافة الخدمات الشرعية والقانونية في مختلف القضايا على اختلاف تخصصاتها امام كافة المحاكام العاملة في السعودية والدوائر القضائية ذات الصلة .. فريق متخصص من اكفئ وافضل المحامين بانتظار استشاراتكم وتمثيلكم قانونيا بمختلف القضايا النظامية والشرعية والجنائية وكذلك التجارية وخدمات الموثق كما يمكنا افراز محامي في جدة دائم لشركاتكم لتقديم استشارات قانونية والازداء القانوني السليم ..
افضل محامي بجده. يتم التشغيل بواسطة Blogger.
Scroll To Top